على أنقاض الصمت

على أنقاض الصمت
سواعد ضاقت بين أيديهما حبَّا=وقد يَسَّرَ التهليل من ثغرها الشهبا
لها أن ترى من يسترق غيابه=وترسل إثر التيه ساعاتها التعبى
وتحضر تأبين اليمام تعيده=إلى غابة تهمي على ريشه زغبا
تحط على أنقاض ثغرين ترتجي=عذارى اللمى تفضي عن القبلة العزبا
وداختْ أباريقُ التَّسوِّل غيرة=من الوجه يغري النور أن يوقظ الهدبا
من اللحظة الخضراء جَنْيٌ شدا به=بيان يذيق الشعر من طعمه نخبا
تناثر قلبي، في مجرَّاتِ نبضه=أَدورُ لعلي أستفزُّ له الحُجبا
وما لي من التنجيم فألٌ تجيده=برمل من استغنت عن حظها ضربا
يضل بواد غير ذي خيمة فهل=ورائي يجيز البحث أن يركب الخطبا؟
أمارس حق البحر في صنع موجة=تقيل بها الأسرار ما واجهت جدبا
وما بين إسهام بإنجاز ضحكة=وتمليحها بالعشق أبدى الرضا قلبا
ورائي تركت الوجه يلهو بظله=وظلي أمامي لا أطيق له جنبا
وبيني وبيني لست أخفي غواية=فتكشف عن ساق تراودها جذبا
تنام على سور المدامع غربة=وتُسْلِمُ للحلم الذي زارها دربا
إلى مفرق التنهيد أوصلت زفرتي=وكانت تقود الصبَّرَ من شَعْرِهِ غصبا
بأيدي لقاء يصعب القلبُ أن يرى=لوجه طغى بالشوق يسترحم العتبا
أتيت معوق الحبر ينتاب حيرتي=يراع تقصى من أعاصيره الغضبى
تضج بها الألفاظ تقتص من فم=لهيبا تطامى حول تفعيله نهبا
وما لي من الجمر القديم كنانة=لأملأ جيب النفي من حارتي قربى
أعيش بجرف البعد يعفي ارتعاشتي=من الصبر حين الهجر يأتي لها نقبا
جداول سهد تحت مرمى خواطري=تصب بأجفاني كوابيسها صبَّا
وجئت مدان الريق من غصة النوى=أقدم صمتي مستدينا له العقبى
تهرب مني القيظ والصبح في يدي=يطيل انتظار الشمس كي تضحك العشبا
فضائي حريري العتاب وليس لي=مناطيد قول أستعيد بها السحبا
أفتش عني في مداخل بسمة=فما أرجعت عيناي ما يبطل الشطبا
فعشت أداري الذكريات بمقلة=وأحفظها عن متلفٍ يجلب الرعبا
حبيس أنا بين الخيال أناملي=وفي غيمة علقت سري الذي أربى
تعافى من السور الجريح ولم يجد=ليصعد فوق النزف من أهله عربا
سنابك عطشى للصهيل يقودها=سراب براه الصيف من لهفة شربا
ترجلت عن عيني والماء قابض=على ريقه قفر يحاوله عبَّا
أسيرُ وحيدَ الموتِ من مأتم إلى=ضياع لعلي أسترد لي الغربا
ففي أطلس الوجدان للقلب مرفأ=تغلغل فيه الوعد كي يرجع الدربا
تمر أمامي الذكريات كأنها=قوارب شعر واصلت سيرها تعبى
بمرآتي الظل الخديج يطل لي=بوجه تخلى عن ملاطفتي حبَّا
فمن ذا يعيد البحر والصيف يا هدى=تململ عن موج يموت إذا يسبى؟
تركت عناقيد العذاب على فمي=تجفُّ وكرم العشق من أضلعي يجبى.
ضياعي وتقرير المسير ووحشتي=وموتي وبعثي أين أحصي لها سربا؟
يتامى على أهدابنا الدمع يشتهي=حنانا يعيد الحب من لمسة أبَّا
شريدا بلا وجه ألاقيك يا أنا=ولست الذي يشتاق من وحشتي نخبا
قفا نبك يا أيلول عمري فما لنا=من الليل يكفي أن نجالسه هدبا
أواصل تجميد النوى فوق طاقتي=وأسبغ من ترياق وجدي لها العذبا
أنا توءم للجرح من أول الشقا=وحزني بمحض النزف يستقطب الندبا
أحاول ترقيع الحظوظ بنورس=وأنَّى لجرحي أن ألاحقه رطبا؟
إلى أي موت صابئ النعش يا ترى=فنائي وكيف الروح تستعذب الصعبا؟
ألوب بحارات السؤال ولم أجد=سوى القلب يعدو نحو موعوده ذنبا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكويت
12رمضان 1430/ 2/9/2009
مهداة للشاعرة الأديبة هدى عبد الرحمن.