بحـث
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
تحليل أدبي لقصيدة ( مثقل بالصبر) للشاعر القدير/ محمد إبراهيم الحريري
صفحة 1 من اصل 1
تحليل أدبي لقصيدة ( مثقل بالصبر) للشاعر القدير/ محمد إبراهيم الحريري
تحليل أدبي لقصيدة ( مثقل بالصبر) للشاعر القدير/ محمد الحريري
إعداد / عطاف سالم
شاعرة وناقدة أدبية
النص :
جعلت قذى الصبرين عينـا تغرُّبـا ** ومن جفن آهاتـي قرابـا تعصُّبـا |
وإنـي ثكـول الأم لسـت بناطـق ** تأفـف أيـام وإن كنـت لا أبــا |
يشق علـي الحـزن أنـي ملكتـه ** وأشفق مني الجفـن دمعـا تعذبـا |
فـلا مخـض الألام زبـدة واهــم ** ولا لبن الأحلام تُربـي بنـا صبـا |
يظـل جـدار الهـم ينهـك ليلتـي ** وأبقي بسهد اللوم نوعـا مخصبـا |
ونادى لبان الصبـر أيـن كنانتـي ** وهذا جموح السبـق واترُنـا سبـا |
فليست تنيخ اليـأس ربـوة خاطـر ** ولابعتـاب الحـرف تغتـال مطلبـا |
تميـد بمعنـى الجلـنـار كـأنـه ** سحابـة أزمـان تزلزلـنـا ربــا |
ولوزة جنح الطيف مدت غصونهـا ** كأسياف عز تقطف النصـر كوكبـا |
جراحات فكر المرء تبقى على المدى ** ويذهب بالأحـلام مايجـرح الصبـا |
ولكن نزف القلـب مابيـن أضلـع ** يقيـم دهـورا والوريـد لـه حبـا |
تعاندني بالهجـر حظـا ولـي بهـا ** مقاديـر آمـال , فتمنعنـي هـبـا |
فأحني بإطراق العيـون حشاشتـي ** وأسجـدهـا لله شـكـرا مـؤدبـا |
توالت شهور البين حتـى حسبتهـا ** ستمتد بعـد المـوت حتمـا معذبـا |
فإن مياه الصمت غدرانهـا عفـت ** عليها سيول الوسم والبـرد أشبـا |
يقولـون إنـي شاعـر وكأنـنـي ** بدلو السنـا أمتـاح نهـرا لأكتبـا |
تسير بي الأنـواء حيـث تشابكـت ** وعاصفة الشكوى فأسقـط معربـا |
ألم تر أن السعـد جانـب خطوتـي ** ويلتحـف الإظـلام عنـي مهرَّبـا |
ثلاثون والعشرون زادت مصائبـي ** بضعف يضيف الهم حزنـا مؤنبـا |
فكيف وبي عشق يناهـز صبوتـيب ** مفتـرق الحاليـن نـذرا مـؤدبـا |
فلا أنـا للأقـران عـدت ولا أنـا ** إلى منبع الأعمـار أحـدو مغرِّبـا |
وهل بعد أن أحكمت كاهـل غربتـي ** بمرتجـع الأحـلام والكـفُّ أتربـا |
ناصر Ù…Øمود الØ- نائب المدير
- عدد المساهمات : 246
نقاط : 532
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 11/03/2009
العمر : 115
الموقع : https://boser.ahlamontada.com/profile.forum?mode=viewprofile&u=3
رد: تحليل أدبي لقصيدة ( مثقل بالصبر) للشاعر القدير/ محمد إبراهيم الحريري
هكذا جاء العنوان ( مثقلٌ بالصبر ) وكم لوقع كلمة ( مثقل) من جرس شديد لربما أتت من القاف والتنوين إنما ماهما غير مسببين وإلا فالكلمة كلها أتت وكأنها تجر شيئا ثقيلا جدا حتى كأننا نسمع له جلبة وجلجلة وهو يسحب ويُجر ..
هي نفس مثقلة جاءت تجر قريضها منهكة فانتثر منها لوعة وغصة ونفثة من لدنها جد عصية ومُشِقَّة
والحقيقة جئت هنا أتلمس الطريق كالضرير إلى مسالك هذه القصيدة الوعرة ولعلي أصل إلى بعض مفاتيحها وأوفق ..
يفجؤنا الشاعر بهذه الصورة الشعرية المباغتة بدت منحوتة للتو من جدار أضلعه وكيف لا وقد أتى مثقل بصبره راميا وجعه في قلب هذا البيانتأمل قوله:
جعلت قذى الصبرين عينا تغرُّبا = ومن جفن آهاتي قرابا تعصُّبا
هذه هي الصورة المباغتة وقد باح بضربين من الصبر إنما كانا كالقذى المؤذي الذي لم يكن ليتحمله لكن مع ذلك كان كلاهما هما عينه الذي أخذته صوب التغرب والابتعاد عن مواطن الأسى , واتخذ من آهاته وتوجعاته جفنا كالقراب يأوي إليه , راغبا فيه عصبة وركنا شديداوما ذاك إلا لأنه :
وإني ثكول الأم لست بناطق = تأفف أيام وإن كنت لا أبا
فلقد تجرع الفقد .. عندما فقد معنى الاحتواء والانتماء , ومعنى الانتثارية والانسكابية في الآخر حيث محضن الدفء والحنان.. إنما تأخذ الشاعر هزة من الكبرياء والترفع فوق مطالبه النفسية فيلجم نفسه بالصمت المطرق متجرعا وجعه واساه وألمه .. فلن ينثر شيئا منه لن ينطق بما ناله من مرارة الأيام , لا , لن يتأفف حتى وإن افتقد مع ذلك المحضن أيضا عزمَه وقوتَه ومتكاءَه وسندَه ..
ويالله كم هو مع ذلك كله يشعر بما اعتوره من مشاعر بائسه ويشفق عليها أكثر من شفقته بنفسه انظره يقول :
يشق علي الحزن أني ملكته = وأشفق مني الجفن دمعا تعذبا
ولا أدري من منهما ينبغي أن يشفق بالآخر؟؟
إنه يملك الحزن مثقلا بالصبر وغير ناطق ولا متأفف مما فعلت به الأيام , ثم هو يشق عليه أن يحمله في صدره , وكأن ذلك الحزن نفحة صبا يخشى عليها لهيب أضلعه الحرى
المتوجعة .. وما كان لجفنه إلا أن يتأثر لحاله هذا مشفقا على تلك الأدمع التي أغرقته ولطالما كان الدمع مُعذِّبَا ومُتعَذِّبا ولكن أكان يأمل من ذلك الصبر وأثقال نفسه به شيئا جديدا أو فرجا قريبا؟!
فلا مخض الألام زبدة واهم = ولا لبن الأحلام تُربي بنا صبا
يظل جدار الهم ينهك ليلتي = وأبقي بسهد اللوم نوعا مخصبا
فلم ينتج عن مخض الآلام التي تناوشته سوى مزيد وجع , بل هو وهم إن تصورنا أن هناك مايسد الرمق فمامخضها سوى زبدة وهم وواهم من ينتظر غير هذا , ولا لم تعد الأحلام التي كنا نترشف حلوها وتستمد منها معين حياتنا لنتقوى بها عليها .. لم تعد تعيد لنا ماضاع منا , مُرغمٌ هو مُستندٌ إلى جُدُرٍ من الهم قد أنهكه الإتكاء عليها وأرقه وأضنى ليله , ومابقي منه سوى سهد يزداد تجدَّدا , ثم هو يرضى به مكرها ويغفو عليه
وأما الصبر فيتجرعه مخافة أن يطيح به الوهن والهم والسهد , وبدا وكأنه يستجديه ويستشعره وكأنه هو من ينادي عليه رأفة به وشفقه
ونادى لبان الصبر أين كنانتي = وهذا جموح السبق واترُنا سبا
وبدا وكأنه معه في سباق .. إنما قد عوده الصبر أن يحتويه وتعود هو أن يستسلم بين يديه.. ولاحيلة له غير ذلك
فليست تنيخ اليأس ربوة خاطر = ولابعتاب الحرف تغتال مطلبا
فاليأس قائم متجلد متجندل في نواحيه , وبدت خواطر نفسه الساجية عاجزة عن إناخة يأس مستبد به ولم تعد ماتبوح به من شجن أو تجيش به من مشاعر ملتاثة حيرى , لم تعد تميت مطلبا عزيزا له كانت تستشرف نفسه الواهنة إليه إنما :
تميد بمعنى الجلنار كأنه = سحابة أزمان تزلزلنا ربا
بدت وكأنها تضطرب وتطيح بكل معنى جميل كان قد أنعش حياته ثم غاب واختفى , وبقيت آثاره موجعة وكأن شيئا لم يكن , وكأنه سحابات أظلته أزمانا , وهي إن كانت تحمل بعض غيث سقيم لكنه كان يسكن إليها وإلى دفئها .. بل كأن تلك المعاني الساكنات المنعشات كأنها :
ولوزة جنح الطيف مدت غصونها = كأسياف عز تقطف النصر كوكبا
بدت شيئا حلوة جميلا سائغا إنما من طيف ليس أكثر.. لكنه طيف أمتد به زمنا , وطاف حول روابيه كأسياف لامعة حملت معها شعور بالقوة والسكينة والعز والرخاء وقطفت في المقابل له كل أمنيه عذبة بدت وكأنها كوكب كان يعم فؤاده بالنور والضياء والكينونة
وآه .. كل ماقد مضى هو :
جراحات فكر المرء تبقى على المدى = ويذهب بالأحلام مايجرح الصبا
هي نفس مثقلة جاءت تجر قريضها منهكة فانتثر منها لوعة وغصة ونفثة من لدنها جد عصية ومُشِقَّة
والحقيقة جئت هنا أتلمس الطريق كالضرير إلى مسالك هذه القصيدة الوعرة ولعلي أصل إلى بعض مفاتيحها وأوفق ..
يفجؤنا الشاعر بهذه الصورة الشعرية المباغتة بدت منحوتة للتو من جدار أضلعه وكيف لا وقد أتى مثقل بصبره راميا وجعه في قلب هذا البيانتأمل قوله:
جعلت قذى الصبرين عينا تغرُّبا = ومن جفن آهاتي قرابا تعصُّبا
هذه هي الصورة المباغتة وقد باح بضربين من الصبر إنما كانا كالقذى المؤذي الذي لم يكن ليتحمله لكن مع ذلك كان كلاهما هما عينه الذي أخذته صوب التغرب والابتعاد عن مواطن الأسى , واتخذ من آهاته وتوجعاته جفنا كالقراب يأوي إليه , راغبا فيه عصبة وركنا شديداوما ذاك إلا لأنه :
وإني ثكول الأم لست بناطق = تأفف أيام وإن كنت لا أبا
فلقد تجرع الفقد .. عندما فقد معنى الاحتواء والانتماء , ومعنى الانتثارية والانسكابية في الآخر حيث محضن الدفء والحنان.. إنما تأخذ الشاعر هزة من الكبرياء والترفع فوق مطالبه النفسية فيلجم نفسه بالصمت المطرق متجرعا وجعه واساه وألمه .. فلن ينثر شيئا منه لن ينطق بما ناله من مرارة الأيام , لا , لن يتأفف حتى وإن افتقد مع ذلك المحضن أيضا عزمَه وقوتَه ومتكاءَه وسندَه ..
ويالله كم هو مع ذلك كله يشعر بما اعتوره من مشاعر بائسه ويشفق عليها أكثر من شفقته بنفسه انظره يقول :
يشق علي الحزن أني ملكته = وأشفق مني الجفن دمعا تعذبا
ولا أدري من منهما ينبغي أن يشفق بالآخر؟؟
إنه يملك الحزن مثقلا بالصبر وغير ناطق ولا متأفف مما فعلت به الأيام , ثم هو يشق عليه أن يحمله في صدره , وكأن ذلك الحزن نفحة صبا يخشى عليها لهيب أضلعه الحرى
المتوجعة .. وما كان لجفنه إلا أن يتأثر لحاله هذا مشفقا على تلك الأدمع التي أغرقته ولطالما كان الدمع مُعذِّبَا ومُتعَذِّبا ولكن أكان يأمل من ذلك الصبر وأثقال نفسه به شيئا جديدا أو فرجا قريبا؟!
فلا مخض الألام زبدة واهم = ولا لبن الأحلام تُربي بنا صبا
يظل جدار الهم ينهك ليلتي = وأبقي بسهد اللوم نوعا مخصبا
فلم ينتج عن مخض الآلام التي تناوشته سوى مزيد وجع , بل هو وهم إن تصورنا أن هناك مايسد الرمق فمامخضها سوى زبدة وهم وواهم من ينتظر غير هذا , ولا لم تعد الأحلام التي كنا نترشف حلوها وتستمد منها معين حياتنا لنتقوى بها عليها .. لم تعد تعيد لنا ماضاع منا , مُرغمٌ هو مُستندٌ إلى جُدُرٍ من الهم قد أنهكه الإتكاء عليها وأرقه وأضنى ليله , ومابقي منه سوى سهد يزداد تجدَّدا , ثم هو يرضى به مكرها ويغفو عليه
وأما الصبر فيتجرعه مخافة أن يطيح به الوهن والهم والسهد , وبدا وكأنه يستجديه ويستشعره وكأنه هو من ينادي عليه رأفة به وشفقه
ونادى لبان الصبر أين كنانتي = وهذا جموح السبق واترُنا سبا
وبدا وكأنه معه في سباق .. إنما قد عوده الصبر أن يحتويه وتعود هو أن يستسلم بين يديه.. ولاحيلة له غير ذلك
فليست تنيخ اليأس ربوة خاطر = ولابعتاب الحرف تغتال مطلبا
فاليأس قائم متجلد متجندل في نواحيه , وبدت خواطر نفسه الساجية عاجزة عن إناخة يأس مستبد به ولم تعد ماتبوح به من شجن أو تجيش به من مشاعر ملتاثة حيرى , لم تعد تميت مطلبا عزيزا له كانت تستشرف نفسه الواهنة إليه إنما :
تميد بمعنى الجلنار كأنه = سحابة أزمان تزلزلنا ربا
بدت وكأنها تضطرب وتطيح بكل معنى جميل كان قد أنعش حياته ثم غاب واختفى , وبقيت آثاره موجعة وكأن شيئا لم يكن , وكأنه سحابات أظلته أزمانا , وهي إن كانت تحمل بعض غيث سقيم لكنه كان يسكن إليها وإلى دفئها .. بل كأن تلك المعاني الساكنات المنعشات كأنها :
ولوزة جنح الطيف مدت غصونها = كأسياف عز تقطف النصر كوكبا
بدت شيئا حلوة جميلا سائغا إنما من طيف ليس أكثر.. لكنه طيف أمتد به زمنا , وطاف حول روابيه كأسياف لامعة حملت معها شعور بالقوة والسكينة والعز والرخاء وقطفت في المقابل له كل أمنيه عذبة بدت وكأنها كوكب كان يعم فؤاده بالنور والضياء والكينونة
وآه .. كل ماقد مضى هو :
جراحات فكر المرء تبقى على المدى = ويذهب بالأحلام مايجرح الصبا
ناصر Ù…Øمود الØ- نائب المدير
- عدد المساهمات : 246
نقاط : 532
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 11/03/2009
العمر : 115
الموقع : https://boser.ahlamontada.com/profile.forum?mode=viewprofile&u=3
رد: تحليل أدبي لقصيدة ( مثقل بالصبر) للشاعر القدير/ محمد إبراهيم الحريري
نزيف من جراحات المَّت بنفسه وبخواطره وأفكاره بقيت تراوده وتحوم حوله زمنا ولا.. لن تبارحه
لقد مازجته وذهبت بأحلامه منذ أن بدأت جراحا ومنذ أن بدا صباه يظهر غير أن أشد النزف الذي قد يطول مكوثه واستقراره في قرارته هو :
ولكن نزف القلب مابين أضلع = يقيم دهورا والوريد له حبا
ومن العجيب أن يألف القلب هذا النزف ويتخذ له من الوريد خليلاً مُحبَّاً
ثم بدا وكأن الشاعر يفصح عن بعض معاناته بعد أن طوح بنا في مراراته المتنوعة بين طوايا نفسه الخبيئة بالوجع والسهد ولذعةِ الوجد فهاهو يقول :
تعاندني بالهجر حظا ولي بها = مقادير آمال , فتمنعني هبا
فأحني بإطراق العيون حشاشتي = وأسجدها لله شكرا مؤدبا
وكأن حبيبته تطعمه الهجر حباً , وطوعَ حظِّ تعنتاً وتعنُّداً , بينماهي عنده مقادير من الآمال يموج بها طربا وتقرُّباً وتحبُّباً , ثم لايناله من كل تلك المقادير شيئاً ولو هبةً تجودُ بها وُدًّاَ أو تكرُّما أو حتى كردِّ معروف أو جميل ..
لقد لاذت بهجرها وببينها وعلوها فما كان منه سوى الإذعان والإطراق بكُلِّه قلباً وروحاً وعيناً وحشاشةً شاكراً مُتصبِّراً راضياً بجحودها وقطع وصالها وابتعادها تمنُّعاً أو تبغُّضاً وعاد في أدب وقناعة إلى ماكان عليه من قبل ثم
توالت شهور البين حتى حسبتها = ستمتد بعد الموت حتما معذبا
وطال به البين والبعد واستطال به النوى وضجر به واستضر منه حتى لكأنه بدا أنه سيلحقه بعد موته ثم لاشيء معذب أكثر منه عنده .
فأي إحساسٍ نما في نفس الشاعر حتى غدا مُنهشاً له يتناوش كلَّ عصبٍ من أعصابه حتى أرغمه على قول ماقاله وماشعر به وأجهده وسد عليه منافذ الأمل أو الخلاص إلى درجة أن :
فإن مياه الصمت غدرانها عفت = عليها سيول الوسم والبرد أشبا
فالصبر والصمت الذي كان يغمره على أمل الرجاء قد عفا وانتهى , وأصبح بعضَ أثر يلوذ به مشفقا , فقد جاء على بقيته بعض سهد وتوجع آخر كان مختبئاً له متربِّصاً به فأوسمه بالنزف وأنشب فيه التقلقل والأرق
لقد مازجته وذهبت بأحلامه منذ أن بدأت جراحا ومنذ أن بدا صباه يظهر غير أن أشد النزف الذي قد يطول مكوثه واستقراره في قرارته هو :
ولكن نزف القلب مابين أضلع = يقيم دهورا والوريد له حبا
ومن العجيب أن يألف القلب هذا النزف ويتخذ له من الوريد خليلاً مُحبَّاً
ثم بدا وكأن الشاعر يفصح عن بعض معاناته بعد أن طوح بنا في مراراته المتنوعة بين طوايا نفسه الخبيئة بالوجع والسهد ولذعةِ الوجد فهاهو يقول :
تعاندني بالهجر حظا ولي بها = مقادير آمال , فتمنعني هبا
فأحني بإطراق العيون حشاشتي = وأسجدها لله شكرا مؤدبا
وكأن حبيبته تطعمه الهجر حباً , وطوعَ حظِّ تعنتاً وتعنُّداً , بينماهي عنده مقادير من الآمال يموج بها طربا وتقرُّباً وتحبُّباً , ثم لايناله من كل تلك المقادير شيئاً ولو هبةً تجودُ بها وُدًّاَ أو تكرُّما أو حتى كردِّ معروف أو جميل ..
لقد لاذت بهجرها وببينها وعلوها فما كان منه سوى الإذعان والإطراق بكُلِّه قلباً وروحاً وعيناً وحشاشةً شاكراً مُتصبِّراً راضياً بجحودها وقطع وصالها وابتعادها تمنُّعاً أو تبغُّضاً وعاد في أدب وقناعة إلى ماكان عليه من قبل ثم
توالت شهور البين حتى حسبتها = ستمتد بعد الموت حتما معذبا
وطال به البين والبعد واستطال به النوى وضجر به واستضر منه حتى لكأنه بدا أنه سيلحقه بعد موته ثم لاشيء معذب أكثر منه عنده .
فأي إحساسٍ نما في نفس الشاعر حتى غدا مُنهشاً له يتناوش كلَّ عصبٍ من أعصابه حتى أرغمه على قول ماقاله وماشعر به وأجهده وسد عليه منافذ الأمل أو الخلاص إلى درجة أن :
فإن مياه الصمت غدرانها عفت = عليها سيول الوسم والبرد أشبا
فالصبر والصمت الذي كان يغمره على أمل الرجاء قد عفا وانتهى , وأصبح بعضَ أثر يلوذ به مشفقا , فقد جاء على بقيته بعض سهد وتوجع آخر كان مختبئاً له متربِّصاً به فأوسمه بالنزف وأنشب فيه التقلقل والأرق
ناصر Ù…Øمود الØ- نائب المدير
- عدد المساهمات : 246
نقاط : 532
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 11/03/2009
العمر : 115
الموقع : https://boser.ahlamontada.com/profile.forum?mode=viewprofile&u=3
رد: تحليل أدبي لقصيدة ( مثقل بالصبر) للشاعر القدير/ محمد إبراهيم الحريري
وبدا الشاعر وكأنه يستحضر من يغبطه على التعبير عن وجعه والتنفيس عن آلامه بهذا الشعر الذي يمشي في نفساته ويسكن بين جنباته ترى ماذا يقول
يقولون إني شاعر وكأنني = بدلو السنا أمتاح نهرا لأكتبا
تسير بي الأنواء حيث تشابكت = وعاصفة الشكوى فأسقط معربا
وكأنه في هذين البيتين يفصح لهم عن سر هذا الشعر الذي يحسدونه عليه فليس هو متَّاحا يملك دلواً من سنا سحر الحرف فيكتب كيفما يريد ويبغي , إنما ما أنطقه غير عواصف من الشكوى وأيام سارت به حيث تشابكت وجعاً وألماً وأنيناً وشجواً فتأمل إن شئت آثار ذلك :
ألم تر أن السعد جانب خطوتي = ويلتحف الإظلام عني مهرَّبا
فقد جانبني السعد وجانب خطوتي وكأنني وإياه خطان متوازيان لايلتقيان... حتى ظلام الأيام بدا لي وكأنه هو من يتململ مني ويتجنبني فقد طال بي ليلي وقد بدا للشاعر وكأنه يسترجع أيامه الخوالي حيث يقول بنفس متحسرة ومتألمه :
ثلاثون والعشرون زادت مصائبي = بضعف يضيف الهم حزنا مؤنبا
مرت سنون طوال قد هدت كاهلي وأثقلت خطوي حيث تواردت علي الأحن ومضى زمن طويل لم يضف إلي سوى مزيدٍ من الوهن والضعف والهم والحزن متعلقاً بعضها ببعض ثم يتسائل الشاعر في حيرة وعلى وجعٍ مُمِضٍّ متعجباً من حالة طرأت عليه في عمره هذا زادته فوق الهم والضعف مزايادات أُخر إذ يقول :
فكيف وبي عشق يناهز صبوتي = بمفترق الحالين نذرا مؤدبا
عشقٌ جاءه فوق احتماله وناهز صبوته التي كانت ويعرفها .. جاء كالنذير المؤدب بكل ماتحمله تبعاته من صراع وتألم فبدا وكأنه على مفترق طرق تيها وحيرة ورهقا
فلا أنا للأقران عدت ولا أنا = إلى منبع الأعمار أحدو مغرِّبا
فلا هو عائدٌ إلى زمن قرنائه , ولا هو حادٍ مغرِّبٌ نحو بقية العمر حيث موطن استحثاث الخطا , ومكمن الثبات والإستقرار والعيش الهادئ المطمئن .
ويقفز سؤالٌ ملحٌّ مقطوعُ الرَّجاء وقد انتهى به المطاف إلى التسليم في غير رضى:
وهل بعد أن أحكمت كاهل غربتي = بمرتجع الأحلام والكفُّ أتربا
سؤال يتناثر من جنباته اليأس فهل بعد أن طوَّقه الاغترابُ وأحكم التضييقَ عليه .. هل بعد هذا أوبةُ ورجعُ للإحلام التي كانت هي الأخرى سبباً في مزيد اغتراب وأسى .. وكيف وقد أترب الكف وغاصت به الحيل وتماهت وتنثرت
drawGradient()
يقولون إني شاعر وكأنني = بدلو السنا أمتاح نهرا لأكتبا
تسير بي الأنواء حيث تشابكت = وعاصفة الشكوى فأسقط معربا
وكأنه في هذين البيتين يفصح لهم عن سر هذا الشعر الذي يحسدونه عليه فليس هو متَّاحا يملك دلواً من سنا سحر الحرف فيكتب كيفما يريد ويبغي , إنما ما أنطقه غير عواصف من الشكوى وأيام سارت به حيث تشابكت وجعاً وألماً وأنيناً وشجواً فتأمل إن شئت آثار ذلك :
ألم تر أن السعد جانب خطوتي = ويلتحف الإظلام عني مهرَّبا
فقد جانبني السعد وجانب خطوتي وكأنني وإياه خطان متوازيان لايلتقيان... حتى ظلام الأيام بدا لي وكأنه هو من يتململ مني ويتجنبني فقد طال بي ليلي وقد بدا للشاعر وكأنه يسترجع أيامه الخوالي حيث يقول بنفس متحسرة ومتألمه :
ثلاثون والعشرون زادت مصائبي = بضعف يضيف الهم حزنا مؤنبا
مرت سنون طوال قد هدت كاهلي وأثقلت خطوي حيث تواردت علي الأحن ومضى زمن طويل لم يضف إلي سوى مزيدٍ من الوهن والضعف والهم والحزن متعلقاً بعضها ببعض ثم يتسائل الشاعر في حيرة وعلى وجعٍ مُمِضٍّ متعجباً من حالة طرأت عليه في عمره هذا زادته فوق الهم والضعف مزايادات أُخر إذ يقول :
فكيف وبي عشق يناهز صبوتي = بمفترق الحالين نذرا مؤدبا
عشقٌ جاءه فوق احتماله وناهز صبوته التي كانت ويعرفها .. جاء كالنذير المؤدب بكل ماتحمله تبعاته من صراع وتألم فبدا وكأنه على مفترق طرق تيها وحيرة ورهقا
فلا أنا للأقران عدت ولا أنا = إلى منبع الأعمار أحدو مغرِّبا
فلا هو عائدٌ إلى زمن قرنائه , ولا هو حادٍ مغرِّبٌ نحو بقية العمر حيث موطن استحثاث الخطا , ومكمن الثبات والإستقرار والعيش الهادئ المطمئن .
ويقفز سؤالٌ ملحٌّ مقطوعُ الرَّجاء وقد انتهى به المطاف إلى التسليم في غير رضى:
وهل بعد أن أحكمت كاهل غربتي = بمرتجع الأحلام والكفُّ أتربا
سؤال يتناثر من جنباته اليأس فهل بعد أن طوَّقه الاغترابُ وأحكم التضييقَ عليه .. هل بعد هذا أوبةُ ورجعُ للإحلام التي كانت هي الأخرى سبباً في مزيد اغتراب وأسى .. وكيف وقد أترب الكف وغاصت به الحيل وتماهت وتنثرت
drawGradient()
ناصر Ù…Øمود الØ- نائب المدير
- عدد المساهمات : 246
نقاط : 532
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 11/03/2009
العمر : 115
الموقع : https://boser.ahlamontada.com/profile.forum?mode=viewprofile&u=3
مواضيع مماثلة
» لأن الحريري ... للشاعر الكبير أحمد نمر الخطيب
» من حقيبة الشمس ... من أمجاد الشاعر محمد إبراهيم الحريري
» (قــصــيــدة للشاعر عبد الرحمن سلطي الحريري قصيدة - رعد الغالي)
» من حقيبة الشمس ... من أمجاد الشاعر محمد إبراهيم الحريري
» (قــصــيــدة للشاعر عبد الرحمن سلطي الحريري قصيدة - رعد الغالي)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أغسطس 02, 2012 10:47 am من طرف بنت ازرع
» ملخص وتذكرة بسيطة عن مدينة بصر الحرير ....
الأربعاء يوليو 04, 2012 11:07 am من طرف بنت ازرع
» عاجل بصر الحرير البطلة
الجمعة يونيو 22, 2012 2:37 am من طرف بنت ازرع
» قصف مدينة بصر الحرير بالهاون
الأحد يونيو 17, 2012 2:10 am من طرف بنت ازرع
» حوران منتصف النهار آخر الاحداث
الأحد يونيو 17, 2012 2:03 am من طرف بنت ازرع
» عاجل من بصر الحرير حفظها الله
الخميس يونيو 14, 2012 10:42 am من طرف بنت ازرع
» اوطى قمة بالعالم لموسوعة جنيس
الخميس مايو 03, 2012 5:43 am من طرف بنت ازرع
» شهداء الفزعة لكي لا ننسى رحمكم الله
الخميس مايو 03, 2012 5:38 am من طرف بنت ازرع
» عمل خاص حوران بصرالحریر
الأحد أبريل 29, 2012 12:02 am من طرف بنت ازرع